Skip to main content
أحدث المقالات

الاتجاه المعاكس .. طريقة “ملا عمر”!

By May 29, 2023#!31Wed, 18 Oct 2023 14:10:32 +0300+03:003231#31Wed, 18 Oct 2023 14:10:32 +0300+03:00-2+03:003131+03:00x31 18pm31pm-31Wed, 18 Oct 2023 14:10:32 +0300+03:002+03:003131+03:00x312023Wed, 18 Oct 2023 14:10:32 +03001021010pmWednesday=537#!31Wed, 18 Oct 2023 14:10:32 +0300+03:00+03:0010#October 18th, 2023#!31Wed, 18 Oct 2023 14:10:32 +0300+03:003231#/31Wed, 18 Oct 2023 14:10:32 +0300+03:00-2+03:003131+03:00x31#!31Wed, 18 Oct 2023 14:10:32 +0300+03:00+03:0010#No Comments

الذين يعتقدون إن “ملا عمر” ، زعيم “طالبان” يدمر الآثار “الوثنية” في أفغانستان لأسباب دينية وشرعية خالصة، عليهم أن يخرجوا قليلاً من دائرة التخريجات الفقهية إلى .. سيكولوجيا السياسة .
نعم إن الذريعة هي ذريعة الدين، وطالما كان الدين “بازاً” من صاده، صاد به، كما قال حكيم من ساسة العرب، لكن “ملا عمر” ليس الوحيد الذي يتذرع ويتدرع بالدين هذه الأيام في عالمنا الإسلامي ، فمن استهوتهم اللعبة في هذه الحقبة كثيرون والقائمة طويلة، وحبلها على الغارب، والأسماء ليست خافية على القارىء اللبيب ولا على غيره، ولكن علينا أن نتحلى بالحكمة، ونتعوذ بالله من الشيطان، ونكتفي بذكر “ملا عمر” دون غيره من تلك الوجوه الكريمة ، فعش الدبابير إذا إنفتح لا يستطيع أحد إغلاقه في معمان التقوى المسيسة في هذه الظروف … حتى لقمان الحكيم نفسه!
يشعر نظام طالبان، نظراً إلى طبيعته وحقيقته بأنه نظام محاصر وغير مرحب به بين أعضاء النادي الدولي والإقليمي المحيط به، وأزمته الأخيرة مع الأمم المتحدة من آخر المؤشرات إلى هذا الهاجس المقيم. إذن ما العمل لجعل الآخرين يشعرون بوجوده ويهرولون للتفاهم معه ؟
لا بد ، إذن ، من حركة “اتجاه معاكس” لأجعل الآخرين يشعرون بوجودي، ويعترفون بأهميتي، ويحسبون حسابي، فأقفز إلى المقدمة من مكانتي المتواضعة، وأصبح أشهر الأعضاء الذين يشاء إليهم بالبنان بين أعضاء الحي … فيها شي؟!
في الحالة الأفغانية – ودعونا هناك – “طاحت” هذه المرة أي وقعت في رأس بوذا ! (وإن كانت الخدوش والشروخ قد مست سمعة المسلمين الحضارية في العالم).
فالأفغان الفقراء لا يملكون ترف الأعلام المجلجل، ولا ترف استحضار لاعبي السيرك الفضائي ومهرجيه من أجل لفت الأنظار وإطلاق الفرقعات المدوية ضد مختلف البلاد والعباد، لكن “تطيير” بوذا من مكانه كاف لتحقيق الغرض. فالهند، الجار الكبير غير المحبوب لدى “طالبان” سترتعد فرائصها الروحية. وكذلك العالم كله ، عالم الاستكبار الغربي بالذات سيصاب بالهول والدهشة لتدمير الآثار التي يبجلها ، وكلها بضعة مدافع وقذائف تم توجيهها سابقا إلى إخوان الملة والعقيدة – من شيعة وسنة لتصفيتهم – فما المانع اليوم من توجيهها إلى رأس بوذا بحجة التخلص من آثار الوثنية وحرمان “جاهلية القرن الحادي والعشرين” من بعض رموزها، وتأليب العالم ضد المسلمين ومقدساتهم وحضارتهم في مختلف بقاع الأرض ليصبحوا جميعهم أشباه ل”طالبان”؟

وها قد أصبح نظام “طالبان” ملء سمع الدنيا وبصرها. ولا يهم أن أكون هدفاً للاستنكار والإدانة، فهذا ما يحقق لي شعوري بالأهمية، ويجعلني الأهم والأبرز والأشهر، فذلك عز الطلب.
هذا ما يتعلق بسيكولوجيا السياسة في “الصرعة” الأفغانية الطالبانية الأخيرة. وذلك ما نعتقد أنه بيت القصيد ومربط الفرس في قطع رأس بوذا وغيره من “الأوثان والأصنام” حسب المعجم السياسي الأفغاني. وغير خاف على بصائركم النيرة إن هذا المسلك الأفغاني ليس البدعة الوحيدة لإثبات الوجود في السياسات الشرقية بأسلوب الاتجاه المعاكس ، والصراخ بصوت حاد: “نحن هنا” فلكل اتجاهه الذي هو منعكس فيه .
أما إذا دخلنا في متاهة التخريجات الفقهية في هذا الشأن، حسب لغة الخطاب الطالباني المعلن عن تدمير الآثار، فإنا سندخل في دهاليز لا مخرج منها، وليست في مصلحة الحالة الذهنية الراهنة لبعض مدارس فقهنا المتعلق بموضوع الآثار والصور والفنون بصفة عامة.
فهل وصل الوضع الأفغاني، قبل كل شيء إلى أعلى مراتب الإسلام الحنيف في التطهر والعفة، فلم يبق أمامه غير التخلص من أحجار صامتة مرت عليها آلاف السنين من دون أن تؤثر في إيمان أهل البلاد؟ هل تطهرت أفغانستان، مثلاً من أدران مزارع “الكيف” وتجارته الغامضة حتى لا يبقى أمامها غير التطهر من أحجار الغابرين؟
الواقع إننا لو أمعنا النظر فقهياً فحسب، وأخذنا المسألة “الآثارية” في إطارها الديني الخالص كما يريدنا أن نصدق “ملا عمر”، فورطتنا وورطة فضيلته، ستكونان بلا نهاية.
ألا يحدثنا القرآن الكريم ذاته، في قصة سيدنا إبراهيم وغيرها، إن البشرية عبدت في تلك العصور الشمس والقمر والنجوم والأشجار؟ فكيف، حسب هذا المنطق، نترك هذه “الأوثان” الطبيعية بارزة وماثلة أمام عباد الله المخلصين، المعرضين دائماً – حسب “ملا عمر” – لغواية الوثنية والعودة للجاهلية، ونكتفي بقصف بوذا المسكين وحده؟ ألا ينبغي بناء عليه، قصف الشمس والقمر براجمات الصواريخ من قواعد “طالبان” لإنقاذ الوعي البشري من ذكرياتها وإيحاءاتها الوثنية باعتبارها أجساماً مادية للعبادة الحسية البدائية الجاهلية؟ والجبال والأشجار … هل نتركها بلا “معالجة”؟
أما إذا استرسلنا في استذكار هذه السلسلة “الوثنية” التاريخية التي فتحها علينا “الأخوان” في “طالبان”، فورطتنا – بل فضيحتنا – أدهى وأمر. فبلا شك، يعلم القارىء الكريم حق العلم، إن البشرية في عصورها البدائية عبدت – أجلكم الله – الأعضاء التناسلية توهماً منها أنها المصدر الأول للحياة … وما زال بعض المعابد الهندية القديمة يحوي آثاراً مجسمة لهذا الاعتقاد البدائي الخام. فكيف “سيحلها” الأخوان في “طالبان”؟ قصفاً أم قطعاً؟ وعندما نصل إلى هذه “المواصيل” فإن تمثال بوذا يبدو أقل نجساً … والله أعلم .
وإذا كانت منظمة اليونسكو قد استنفرت نفسها لحماية الآثار في أفغانستان ، فأية منظمة، ياترى، يمكن التعويل عليها إذا تم الاقتراب من مغبة هذا التطهير والتقطيع المحتمل؟ الذين يعتقدون إن هذا من باب التهويل، عليهم أن يتذكروا ما أثير قبل سنوات قليلة عما يوحيه “برج الجزيرة” في القاهرة من إيحاءات لعباد الله الصالحين، وعما إذا كان من الجائر تركه هكذا بلا “معالجة”. على كل حال الدور الآن على تمثال بوذا… حتى إشعار آخر !
وأياً كانت الحسابات السياسية الأفغانية لمعاكسة العالم بهذه الطريقة – ولكل شيخ طريقته – فإن اللفتة حقاً هو تلعثم الأوساط الفقهية في العالم الإسلامي حيال هذا المسلك، وهذه “الفتوى” الطالبانية التي وجدت طريقها إلى التنفيذ بلا تردد وجاءت من باب التبرير واستغلال الدين في غير موضعه.
كان تلعثم سادتنا العلماء ملحوظاً بهذا الشأن وان أدلوا بدلوهم لافعاً للعتب. فمن قال ل”طالبان” صلوا على النبي واذكروا الله، كما نقول في الخليج لصرف أي شخص عن الانفاع، ولكن من دون إدانة شرعية حقيقة أو موقف شرعي جريء وواضح. ومن قال لهم: “ياإخوان راجعوا أنفسكم، واتركوا بوذا قبحه الله وشأنه وبلاش إحراج مع الخواجات فهذا ليس وقتها… الخ”.
ومرد هذا التلعثم كله وجود مساحات كبيرة وخطيرة في فقهنا القديم لم يتم الاقتراب منها بصراحة وجرأة مراعاة للعامية وكسباً للشعبية بينهم، الأمر الذي يوفر للمغالين أمضى أسلحتهم. وما زلنا نذكر الزوابع التي تثار بشأن التصوير الفوتوغرافي حتى لأغراض التسجيل والتوثيق في جوزات السفر وبطاقات الهوية.
وإلى يومنا هذا، فإن التنقيب الآثاري العلمي ممنوع في مناطق تاريخية مهمة من العالم الإسلامي، وذلك بسبب حظر الاجتهاد في هذه القضايا المعاصرة … فإلى متى؟ وإذا كان رأس بوذا هو الضحية هذه المرة – مع سمعة الإسلام والمسلمين في العالم – فرأس من سيكون الهدف القادم ؟ وأية مفاجأة ستخرج بها سياسات الاتجاه المعاكس في علمنا العربي والإسلامي؟ مع إن ثمة حلاً بسيطاً جداً هو منطق المصالح المتبادلة والتعاون البناء مع الآخرين ، بدل معاكسة ومناطحة كا من بوذا وزرادشت ونبوخذ نصر!