
عندما كثر الحديث قبل سنوات في الغرب حول إنتاج قنبلة النيتروجين ، كان أطرف ما قيل في تبرير هذا الأختراع، إن فضيلته الكبرى كونه يهلك البشر تماماً، بينما يحفظ المباني والمنشآت والممتلكات سليمة من غير سوء! وكان مصدر الطرافة في الأمر إن هذا الأختراع المهلك للبشر الحافظ للممتلكات هو خير تعبير مثالي عن الروح الرأسمالية المركنتالية في الحضارة الغربية ومجتمعاتها ، وعقول مخترعيها .
فمن خصائص الرأسمالية الثابتة إنها لا تهتم بمعناة البشر ومصائرهم طالما إن الممتلكات سليمة ونامية ومزدهرة ، فالمسألة في النهاية مسألة عرض وطلب .. وإذا كان البشر “غير مطلوبين” لسبب أو لآخر فلماذا لا يتم إهلاكهم؟
إن اليهود الحمر لم يكونوا مطلوبين على سبيل المثال، كان المطلوب خيرات أمريكا وحدها ، وهكذا كان. ولو كانت هذه القنبلة جاهزة عندئذ لكان لها عند الهنود الحمر شأن وأي شأن، مثلما كان للقنبلة الأخرى، من النوع الذري، شأن وأي شأن مع الآسيويين الصفر في … هيروشيما! ثم أن قنبلة النيتروجين تتفق تماماً مع الفكرة الصهيونية وهي الأبنه البكر للروح الأوربية ، فمن كالصهيونية تهمه الممتلكات وحدها ، ولا يريد أن يرى أثراً للبشر … ألا يريدون الضفة الغربية خالية من أهلها … ذلك – بالضبط – الهدف من إنتاج قنبلة النيتروجين .. سواء استخدموها هي بالذات، أو استخدموا من الوسائل ما يشبهها في الغاية تماماً .. الحفاظ على الأرض والممتلكات .. بلا سكان!
ومناسبة طرحنا لهذه القضية الآن هي أنهم في الولايات المتحدة يخوضون جدلاً علمياً ونفسياً وقانونياً وتجارياً عنيفاً حول مصداقية – أو عدم مصداقية – اختراع جديد آخر بدأت الشركات والمؤسسات التجارية تستخدمه على نطاق واسع في فحص موظيفها والمتقدمين لديها قبل أن تتأكد الجهات العلمية من أنه يحقق بالفعل الغرض المطلوب منه، هذا الاختراع الجديد العتيد هو جهاز الكشف عن .. الكذب !
إن مئات من أصحاب المحلات التجارية يصرون على استخدام هذا الجهاز لفحص الآلاف من موظفيهم للتأكد من أمانتهم .. ولقد كان هذا الجهاز موجوداً من قبل كمجرد محاولة ونموذج للفحص النفسي .. أما الآن فيراد تحويله إلى مقياس ثابت ومعيار أكيد للفحص الأخلاقي .. وهنا بيت القصيد الذي يكشف إلى أي مدى نضبت المعايير المقاييس الخلقية والضميرية والسلوكية في الحضارة الغربية لدرجة أن يتحول جهاز أصم إلى “شاهد” على الإنسان؟ إلى شاهد على ضميره وخلقه وحسن سلوكه!
وهذا الجهاز يقيس في وقت واحد أثناء “الأستجواب” درجة الضغط ودقات القلب وإفراز العرق لدى الشخص الممتحن – وأي امتحان! –لمعرفة إن كان يكذب أم يصدق أثناء توجيه أسئلة محددة إليه .. خاصة فيما يتعلق بأمانته الخلقية ، ثم يقرر الجهاز ويحكم على الإنسان إن كان رجلاً طيباً، أم من أبناء الأباليس!
وعندما تبتعد الحضارة عن الله – مصدر كل ضمير وخلق – وعندما تهمل تربية الحاسة الروحية والخلقية لدى الإنسان .. وعندما تجعل كل القيم الأخلاقية نسبية متغيرة كأزياء الملابس وإعلانات البضائع ، وأحوال الطقس .. فأنها تحتاج في النهاية إلى جهاز يكون بمثابة الحارس الخلقي – بدل الضمير – ليقرر لها من هو الطيب ومن هو الخبيث من أبنائها. وإذا كان اختراع الطاقة البخارية هو أول أمجاد الحضارة الغربية .. فإن اختراع جهز الكشف عن الكذب هو آخر إفلاس لها !
والحملة قائمة في الولايات المتحدة لوقف استخدام هذا الجهاز المهين لكرامة الإنسان ، وقد أوقف في كثير من القطاعات التجارية خاصة ، ولكن “السي . آي . ايه” ما زالت تصر على استخدامه في مجال ما تسميه بالأمن الوطني للولايات المتحدة، وكل إناء بالذي فيه ينضح!
ومن قنبلة النيتروجين .. إلى جهاز الكشف عن الكذب .. ألا ترون إن مخترعات الحضارة هي تعبير أخلاقي عنها ..؟