Skip to main content
أحدث المقالات

ما رأيكم في تعريب الفكرة ؟: شكسبير وشركاه .. في الحي اللاتيني!

By مايو 29, 2023أكتوبر 18th, 2023No Comments

في القلب الحي اللاتيني بباريس عندما تتشبع بنكهة أزقته الضيقة، ومكتباته الفرنسية العتيقة، ومقاهيه السامرة، وعروضه الفنية العابرة بالطرقات التي يؤديها فنانوه المغمورون الموهوبون .. أما جموع المارة والسياح .. بلا أعداد، ولا موعد سابق .. عندما يطغى عليك هذا الجو اللاتيني الفرنسي الخالص تكشف فجأة وأنت خارج من زقاق ضيق مملوء بالمطاعم والمقاهي الصغيرة مكتبة قديمة في بناية أقدم منها، وهي تحمل رسم واسم شكسبير .. شكسبير وشركاه .. دفعة واحدة في قلب باريس اللاتينية!
فإذا بها جزيرة أنجلو – سكسونية في بحر لاتيني .. أي مفارقة .. بين هدوء السكون وصخب اللاتين!
وهي ليست مكتبة تماماً، وليست متحفاً تماماً .. إنها مكتبة وإنها متحف كتب وإنها محل إقامة ومنتدى فكر!
إنها من تلك الكائنات الفريدة العجيبة التي لا يمكن تصنيفها حسب التقسيم الفيزيائي لنوعيات الأشياء المفردة.
هذه المكتبة – المتحف – النزل – المنتدى، أسستها قبل 36 سنة بباريس ناشرة أمريكية اسمها سلفيا بيش، وقد أرادت منها أن تكون ملتقى فكرياً للأدباء الأمريكيين والإنجليز الذين يقعون في حب باريس ما لا تغامر دور النشر الأمريكية والبريطانية بنشر .. لغرابيه، أو تجريبيته، أو جراءته! وفي الوقت ذاته كانت تؤسس مكتبة أنجلو سكسونية بباريس تكون مرجعاً لطلاب التفاعل بين الثقافتين الفرنسية والانجلو – سكسونية.
وعندما شاخت سلفيا بيش جاءها أمريكي آخر اسمه جورج ويتمان وأشترى منها كتبها ونقلها إلى المكان الحالي للمكتبة – مكتبة شكسبير وشركاه! المطلة على الضفة اليسرى لنهر السين مقابل كنيسة “نوتردام” الشهيرة تماماً. ولهذه المكتبة ختم رسمي تختم به كتبها المبيعه والختم يقول : (مكتبة شكسبير وشركاه .. بالكيلومتر رقم صفر.. بباريس!) أي أنها تعلن احتلالها لمركز الدائرة الباريسية في قلبها تماماً بحيث لا تحتاج إلى ذكر عنونها البريدي.
وعند مدخلها وضع صاحبها جورج ويتمان رسماً قديماً لجده العالم الفيزيائي والت ويتمان وقد أحاط به مربع خطي يقول بالفرنسية للمارين بالمكتبة : أيها الغريب العابر.. آه لو تعلم بأي اهتمام نافذ أتطلع إليك!
والواقع إن هذ المكتبة الشكسبيرية لا تؤمن بأساليب العرض التجاري الحديث. فكل شيء في مدخلها عتيق وكلاسيكي. وقد اصطفت في مدخلها من الخارج كتب قديمة مستعملة معروضة للبيع بأسعار زهيدة. كان أثنان من الشباب الأمريكان يقفان عند المدخل يتصفحان تلك الكتب. وثم فجأة رمى إحداهما ما بيده من كتب وقال لرفقيه يحثه على مغادرة المكان: إن هذه أسوأ طريقة للعرض “كيف يضعون كتباً رثة في واجهة المحل”! وأسفت لأن هذين الشابين لم يدركا روح المكان. وكدت أداخلهما بالكلام لكنهما اختفيا في الزحام اللاتيني الصاخب، فقلت لنفسي: على من تقرأ مزاميرك؟
وفي الداخل، عندما أخذت بأطراف الحديث مع صاحب المكتبة – وغالباً ما يجر الزائرين في الحديث معه في موضوعات طريفة وعميقة في وقت معاً – ذكرت له ما قاله الشابان ، فحك لحيته البيضاء الصغيرة المثلثة بشيء من التعالي ثم قال: وماذا قلت لهما؟ قلت: لم يسعفني الوقت فلم أقل شيئاً.. قال: حسناً فعلت. فلدينا موعظة تقول : لا ترموا دوركم أمام الخنازير؟
وبمثل هذا القبيل من الحوار المطعم ببهارات اللغة وإيشارات الفكر يمضي الحديث بين “المعلم” ومساعديه في المكتبة، وزواره الذين يكون من بينهم مثلاً شاعر أمريكي وقاص ياباني وفنان دانماركي وأستاذ الماني ودارس حبشي وعندما يقترب الليل من الانتصاف ينهض أحد المساعدين لإعداد وجبة عشاء شهية لجميع الموجودين الذين بقوا مشاركين في الحوار لذلك الوقت، سواء اشتروا كتباً أم لم يشتروا، مكتفين بمراجعة الكتب النادرة التي لا تباع.